حياٌة أدبًا "الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" إلى حَنان ومَروان ورَيَّان-ناجي نعمان (لبنان)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 

حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع"
إلى حَنان ومَروان ورَيَّان

  ناجي نعمان    

لَيْلَ حَلَلْتِ، حَنانُ، تَجَسَّدَ الحُبُّ، فحَنانُ المرأة رَحمَةٌ وعَطْف، رِزْقٌ وبَرَكَة، هَيْبَةٌ ووَقار.
وفَجْرَ انْبَثَقْتَ، مَروانُ، تَفَجَّرَتِ الحُرِّيَّةُ، فمُروءَةُ الرَّجل نَخْوَةٌ وكَمالٌ وتَمامٌ في الإنسانيَّة.
ومَغْرِبَ فُضْتَ، رَيَّانُ، تَدَفَّقَ الخَيْرُ، فالرَّيَّانُ الاخْضِرارُ في الطَّبيعة والتَّضَلُّعُ في العِلم.
وهَلِ الحَياةُ سِوى حُبٍّ وحُرِّيَّةٍ وحِكمَة؟
***
فِلَذَ كَبِدي،
تَسَلَّحوا بالعِلم والفِكر، وتَكَسَّبوا الثَّقافةَ والمَعرِفة، وأيًّا كانَتْ أنشِطَتُكم العَمَليَّةُ في المستقبَل، فَلْيَكُن لكم اهتِمامٌ في كِتابةٍ أو فَنّ، والتِزامٌ برياضة، ولَو على سبيل الهِواية، فليسَ أفضلَ من يَراعٍ أو ريشةٍ أو وَتَرٍ كصديق، وليسَ أفضلَ من مُمارسة الرَّياضة في تنشيط الجَسَد وتَفتيح الذِّهن.
ألصَّديقُ قَليل. فانْتَخِبوا من معارِفكم، وأراهُمُ كُثُرًا، أصدقاءَ لا يَتَجاوَزُ عددُهم، في مَطلَق الأحوال، عددَ أصابع اليَد الواحدة، ودَعوا الأيَّامَ تُقَرِّرُ حُسنَ اختِياركم. وأَسِرُّوا بمَكنونـات قُلوبكم إلى أصدقائكم، فالإنسانُ في حاجةٍ إلى المَلاذ الأمين المُريح، ولكنِ احْتَفِظوا لأنفُسِكم بأسرار، ولاسَّيما إذا تَعَلَّقَتْ بغَيركم، فأنفسُكم في حاجة، هي الأخرى، إلى الاختِبار.
***
لا تُرَبُّوا الأعداءَ، بَل تَحاشَوا مَن تَسْتَشِفُّون لديه بدايةَ عَداوة، واقْصُروا عَلائِقَكم به بالضَّروريِّ من الاجتِماعيَّات، فلِسانُ عَدُوٍّ واحِدٍ بألسِنةِ ألفِ صَديق.
***
أَحِبُّوا ما اسْتَطَعْتُم إلى ذلك سَبيلاً. وإذا ما أُغْرِمْتُم فاعْلَموا أنَّ لكلِّ قَلبٍ مُنفتِح، في كلِّ عُمر، غَرامًا؛ لذا، لا تُحبَطوا ولا تَيْأَسوا، بَل أَيْقِنوا أنَّ الآتي أفضَل. وتَحابُّوا بِلا مُحاباة، فلا تَدَعوا إرثًا أو مالاً أو دَخيلاً يُفَرِّقُ في ما بينَكم.
***
لا تَقولوا إلاَّ بالحقيقة، ولا تَنْصُروا إلاَّ بالحقّ، فالحقيقةُ تُحَرِّرُكم، ولو بعدَ حين، وإحقاقُ الحقِّ يُكْبِرُ قُلوبَكم.
***
لا تَسْمَحوا لأحدٍ بكَبْت حُرِّيَّتكم أو بالتَّعدِّي على كرامتكم، فالحُرِّيَّةُ فَرَسُكم الجامِحة، والكرامةُ سَيفُكم المُصْلَت، وأمَّا الخَيَالُ فمَرْتَعُ الخَيَّال، مَرْتَعُكم.
**
لا تَدَعوا حُدودَ وطنكم تُضَيِّقُ على هُوِيَّتكم الإنسانيَّة والكَونيَّة، ولا تَتَعَدَّوا حُدودَ وطنكم بحيثُ تَفْقِدون حُبَّكم له وتَوْقَكم إليه.
***
لا تَتَعَصَّبوا لمُعتَقَد، فالحقيقةُ واحِدة، أو لعَقيدة، فالمَصيرُ الإنسانيُّ واحِد، بَل حَكِّموا العَقلَ ما اسْتَطَعْتُم، ولْيَكُن ضَميرُكم الإنسانيُّ حَكَمَكم وحاكِمَكم؛ والعالَمُ إلى تَغَيُّر.
***
لا تَتَعاطَوا في الشَّأن العامّ، ولاسيَّما إذا اقْتَرَنَ بالتَّخَلُّف. وأمَّا الوَظيفةُ فتُفيدُ في اختِبار الجُهدِ الإنسانيِّ وتقديرِه؛ فإنِ الْتَمَسْتُموها سَبيلَ عَيْش، فَلْيَكُن ذلك إلى حين، لأنَّ على العَمَل الحُرِّ أنْ يَبْقى غايتَكم، ففيه حُرِّيَّتُكم وفَلاحُكم.
***
ألنَّجاحُ، في الحَياة العَمَليَّة، نِسبيّ: فمِنهم مَن يَرْبِطُه بالتَّحصيل المادِّيّ، ومِنهم مَن يَجِدُه في الشُّهرة، ومِنهم مَن يَسْتَطيبُه في النُّفوذ؛ وأمَّا أنا فأَتَمَنَّى أنْ تَكْتَشِفوه، من ضِمنِ عَمَلكم - وأيًّا كانَ هذا العَمَل - في خَلقِكم جديدًا.
والنَّجاحُ، سَبيلُه، ثَلاثةٌ: حَظٌ وتَخطيطٌ ومُثابرة. وأمَّا الحَظُّ فضَروريٌّ أحيانًا، ومَتى ابْتَسَمَ لكم، اِغْنَموه. وأمَّا التَّخطيطُ فضَروريٌّ دائمًا، وإذا كانَ لا يَكْتَمِلُ إلاَّ بالمُثابرة في الجُهد، فلأنَّ المُثابرةَ تَبْقى، هي، الأكثرَ ضَرورة.
***
لَطالَما رَدَّدَ جَدُّكُم على مَسامِعي أنِ "اِحْذَرِ الشَّوكَ"، وكانَ يَعْني الشَّراكةَ والوَكالةَ والكَفالة؛ فلا تُشارِكوا أحدًا في أعمالكم أو أملاككم، ولا تُوكِلوا أحدًا بها، ولا تَكْفَلوا أحدًا في أيِّ ظَرفٍ من الظُّروف.
حَذَّرَني جَدُّكُم، طابَ ذِكرُه، من الشَّوك، ووَقَعْتُ، مع ذلك، في فَخَّي الشَّراكة والوَكالة، فتَعَلَّمْتُ الدُّروسَ على حِسابي الشَّخصيّ.
حَذَّرَني جَدُّكُم من الشَّوك، وأنا أُقْرِنُ به "الدَّمَ"، عَنَيْتُ الدَّينَ (د) والمَعروفَ في غَير أهلِه (م). فأنتم، إنِ اسْتَدَنْتُم، خَسِرْتُم من حُرِّيَّتكم لصالح دائِنكم، ووَقَعْتُم في شَرَك الفَوائِد الآكِلَةِ جُهدَكم؛ وأنتم، إنْ أَدَنْتُمِ الأهلَ والأصحابَ خَسِرْتُم، على الأرجَح، مالَكَم، وخَسِرْتُموهم؛ والأفضلُ، في هذه الحال، أنْ تُقَدِّموا لطالِب الدَّين مساعدةً مَقطوعةً من أنْ يَغْدُوَ مَدينَكم. وأمَّا المَعروفُ في غَير أهلِه فمن شأنه أنْ يَجْعَلَكم تَنْدَمون على فِعْلِ الخَيْر، وفِعْلُ الخَيْر، بعامَّةٍ، مَجَّانيّ.
ولا تَكُنْ لطموحاتِكم حدودٌ، وإذا أَصَبْتُم مالاً وَظِّفوه، توزيعًا للمخاطِر، في أكثرَ من مشروع، وأَوْدِعوا بعضَه، احتياطًا للمَهالك، في أكثرَ من مصرِف، واعْلَموا أنَّ المالَ الجامِدَ إلى اضمِحلال.
ولا يَكُنْ سَعْيُكم للثَّروة من أجْلِ الثَّروة، بَل للعَيْش الكريم. وإذا ما أَثْرَيْتُم، لا تَنْسَوا مَن حَولَكم، بَلِ اجْعَلوا المعروفَ في مَن هم أهلٌ له، وخَلِّدوا ذِكراكم في فِعْلِ الخَيْرِ أو في دَعمِ فَنٍّ أو عِلم.
***
لا تُطيلوا البحثَ في أسرار الحياة، بَلِ اقْنَعوا بأفكاركم الخاصَّة بها، أوِ اعْتَمِدوا أفكارَ غَيركم حَولَها، وانْطَلِقوا في حياتكم متفائِلين جادِّين، فالحَياةُ أقصَرُ من أنْ نَقْضيَها باحِثين مُتشائِمين، وأطولُ من أنْ نَقْضيَها لاهِين عابِثين. وإيَّاكم واليَأس.
***
إِحْتَرِموا الطَّبيعةَ، وحافِظوا عليها، فهي أمُّكم؛ واعْتَبِروا الإنسانَ غايةً لا وَسيلَة، فهو أخوكم؛ وافْرَحوا وتَمَتَّعوا فيها معه، فصَدرُها رَحْبٌ يَحْضُنُ الجميع.
***
أحبَّائي،
أنتم الجُهدُ، أنتم السُّهدُ، ولَكِنْ، من دونِكم، أيُّ عَزاء، وأيَّةُ راحة؟
لَن تُحِبُّوا أباكُم وأُمَّكُم على قَدْرِ ما أَحَبَّاكُم، والأُمنِيَةُ أنْ تُحِبُّوا أولادَكُم كما أُحْبِبْتُم.



  من "الرَّسائل" - الرِّسالة الحادية عشرة
©الحقوق محفوظة - دار نعمان للثقافة
  ناجي نعمان (لبنان) (2009-10-07)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حياٌة أدبًا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia